نجح عدد من الفنانين التشكيليين من الأقاليم الجنوبية، وببلاغة لونية ، أن يقتفوا بالفرشاة الموروث الجمالي للرحل بالصحراء ليقدموه على شكل خطاب بصري بهي لزوار الدورة ال14 لموسم طانطان الذي تتواصل فعالياته منذ الأربعاء تحت شعار “موسم طانطان: عامل إشعاع الثقافة الحسانية”.
وقدم هؤلاء التشكيليون، وجلهم شباب، المشاركون في المعرض التشكيلي السنوي الثاني الذي تنظمه جمعية أصدقاء متحف الطانطان تحت شعار “الذاكرة الجمالية لرحل الصحراء”، في إطار موسم طانطان، لوحات كأنها قصيدة تنساب ألوانا تحيل في مجملها على الحياة بالصحراء بصفائها ونقاء ساكنها و عاشقها على السواء.
يقول الناقد والتشكيلي إبراهيم الحيسن رئيس جمعية أصدقاء متحف الطانطان، أن الفنانون المشاركون أبدعوا مجموعة من اللوحات جسدت الموروث الجمالي للرحل بالصحراء، مبرزا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن المعرض “التيماتي” يهتم بإبراز المواهب الفنية بالأقاليم الجنوبية الذين أبانوا عن موهبة متميزة.
واعتبر أن المعرض، المنظم في إطار موسم طانطان الذي تنظمه مؤسسة ألموكار تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، شكل في عموميته مرحلة متقدمة من التجربة الفنية بالأقاليم الجنوبية.
ويؤكد في تقديمه للمعرض أن جل الأعمال المشاركة في المعرض تتمحور حول “الذاكرة الجمالية لرحل الصحراء” التي يرسمها الإنتاج اليدوي الصحراوي، وهو لا يقوم على مهارة المحاكاة بدافع الحفاظ على الشكل الموروث فحسب، بقدر ما يشتغل على استخدام الصيغ الفنية القديمة وإعادة صياغتها وفق رؤى وتصورات جديدة متميزة على مستوى التكوين والبناء الجمالي والأسلوب الفني.
وبالرغم من أن إنتاج هؤلاء الفنانين يدور في فلك العادات والتقاليد والحاجات اليومية، فإنه يسعى إلى الانتقال من البسيط التقليدي إلى الشكل الفني الجمالي، ومن مرحلة التعبير النمطي إلى مرحلة الإنتاج المتجدد ليصبح علامة من علامات التقدم المعرفي الذي يعتمد على نمو التجربة الجمالية بشكل متواتر واطرادي.
وذكر الحيسن بأن الثقافة اليدوية التي سجلها هؤلاء بالفرشاة، وبالرغم من أنها تتبدى مهددة بالمحو والتفتت والزوال، لكنها مع ذلك، تظل راسخة في المخيلة والذاكرة الجماعية التي شيدها الأسلاف وأسسوها على قيم مجتمعية وإنسانية نبيلة وفاضلة لم تعد اليوم كما كانت بفعل عنف التمدن والانخراط في الحياة العصرية بدون “مقاومة ثقافية” تحمي الفرد والجماعة كل من استلاب محتملة.
وقد احتفت جمعية أصدقاء متحف الطانطان خلال المعرض بالفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر ، كما نظمت ندوة تخصصية حول المنجز الجمالي للمبدع بمشاركة الناقدين شفيق الزكاري وعبد الله الشيخ والباحثة أسليمة أمرز مع عرض شريط بصري يؤرخ للتجربة الصباغية بعنوان ” التشكيلي عبد الكريم الأزهر.. تحولات الجسد”
كما أعدت الجمعية كتيبا توثيقيا يتضمن نصوصا نقدية وشهادات حول المنجز الصباغي لهذا المبدع ساهم فيه نخبة من أصدقائه النقاد الفنيين والأدباء والشعراء، وهم كرستيان رييڤو (ترجمة: محمد صوف)،محمد الأشعري، صدوق نور الدين، بشير القمري، نور الدين فاتحي، حسن نجمي، عبد الحميد بنداود، ابراهيم الحيسن ، شفيق الزكاري وعبد الله الشيخ.
ويعد موسم طانطان الذي تم إدراجه من طرف منظمة اليونسكو ضمن التراث الشفهي غير المادي والإنساني عام 2005، والمسجل ضمن القائمة الممثلة للتراث الثقافي غير المادي والإنساني عام 2008 ويختزن جميع مكونات الثقافة الحسانية، لحظة مهمة لقبائل الأقاليم الجنوبية المغربية للاعتزاز بتاريخهم، ومرآة حقيقية تعكس قوة وجمالية الثقافة الصحراوية كموروث حضاري مغربي عريق وحقيقي.