رياضة

من أجل إنقاذ فارس البوغاز من الضياع

الصادق بنعلال

في سياق النتائج الكارثية غير المسبوقة التي استهل بها فارس البوغاز فرع كرة القدم مشوار هذه الدورة الجديدة من البطولة المغربية الاحترافية، وفي إطار الأداء الفني المخزي للتشكيلة التي تم اختيارها “بعناية وتبصر رياضي كبير”، لا يسعني إلا أن أنبه إلى أن فريق مدينة طنجة الأول ” غادي في الخسران”، وانه لن يقوى حتى على تحقيق التعادل أو تسجيل هدف يتيم، لأنه ببساطة لا يتوفر على المعايير والضوابط التقنية ولو في حدودها الدنيا. صحيح كان المسعى هو العمل من أجل “مشروع” كروي جاد قادر على مقارعة المشاريع والنوادي الوطنية المرجعية بعد سنتين أو ثلاث سنوات، لكن المشاريع الرياضية المسؤولة لا تنطلق من مغامرات انتحارية، ولا من حلول جزئية سهلة يكون مصيرها الفشل المحقق. إننا لا يمكن أن نواجه نوادي وطنية مجتهدة بلاعبين من الدرجات الدنيا، وبخصاص مالي نتيجة السياسة التدبيرية العشوائية السابقة، والتي “انتدبت” بغباء قل نظيره، عددا ضخما من المدربين واللاعبين، وضرب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بعرض الحائط. إنه الاستهتار والتهافت والجهل بثقافة التدبير الرياضي الحديث حتى لا أقول شيئا آخر! وفي الأثناء يروق لي أن أعيد التذكير بما سبق لي أن عبرت عنه منذ سنتين، لعل الذكرى تنفع المؤمنين بأهمية الرياضة ودورها الفعال في الميدان التنموي الشامل.  

لا أخفي تعلقي الشديد بالكرة الوطنية، وأساند بحرارة كل النوادي المغربية دون قيد أو شرط مادامت تدافع بكفاءة عن صورة المغرب ومكانته الاعتبارية، لكنني وبحكم انتمائي لمدينة طنجة العزيزة على كل المغاربة أجدني أكثر استعدادا للدفاع عن ممثل عروس الشمال، ولو أدى الأمر إلى أن أوجه انتقادات شرسة وربما عنيفة لكل الأطراف المعنية بتدبير شؤونه الإدارية والتقنية. لأنني على معرفة لا بأس بها بتاريخ كرة القدم الطنجوية وبالنجوم المحلية، التي أضاءت سماء الرياضة الوطنية في عقود خلت، دون الحديث عن المشاهد الاحتفالية لجماهير هذه المدينة الاستثنائية، وقدرتها الفريدة على تسويق الوجه الحضاري لبلدنا.

كي تكون رئيسا لفريق كرة القدم يتطلب الأمر احترام المستلزمات القانونية، وتقدير النظام الأساسي النموذجي للجمعيات الرياضية ونظامها الداخلي.. أقلها أن تكون عضوا منخرطا، ومساهما ماديا ومعنويا في بناء صرح الفريق وتقوية أعمدته، والعبد الضعيف خارج دائرة المنخرطين المعنيين بحضور الجموع العامة والمشاركة في اللقاءات وإبداء الرأي والتصويت.. لكن وبعيدا عن هذه الحيثيات والاعتبارات الإدارية الضرورية، سأجيب القارئ الكريم الذي “ينتظر” مني اقتراحات عملية أولية لانتشال فارس البوغاز من الضياع كما يلي:

 – تقوية المستوى المادي للنادي و الحفاظ على غلافه المالي و تنميته بكل الطرق المشروعة، أقلها طرق كل أبواب المساهمين الرسميين و المؤسسات الاقتصادية و الإشهارية .. والعدول عن استجلاب وانتداب لاعبين أجانب لا يقدمون أي قيمة مضافة، لوضع حد لامتصاص الميزانية الذاتية وتبذيرها دون طائل يذكر.

 – وضع استراتيجية محكمة البناء بمعية خبراء ميدانيين على المدى البعيد و المتوسط و القريب، مع إعطاء الأولوية لبناء الأساس أو القاعدة التي يفترض أن ينهض عليها النادي ، و أقصد بالتحديد إبداء العناية الفائقة بتكوين الفئات العمرية، داخل أكاديمية رياضية تستند إلى المعايير الدولية الحديثة. وهذا الأفق لم يحدث في مدينة طنجة إلى الآن! فمن السهل الفوز بلقب أو بطولة، لكن الأهم من كل ذلك الاستمرارية وضمان التألق المستمر، وهذا يستدعي رؤية استراتيجية وعمل فريق مسؤول متخصص في التدبير الرياضي بحصر المعنى.

 – إعطاء الأولوية لأبناء المدينة ليس من باب التحيز أو الانغلاق و الانكماش حول الذات ، بل من باب فتح المجال للاعب المحلي ومساعدته على التميز ، و تجنيبه الارتماء في عالم اليأس و الإحباط و فقدان الأمل ، و قد تعودنا منذ عقود على أن يكون جل لاعبي نهضة طنجة أو الاتحاد الرياضي لطنجة مثلا من أبناء المدينة ، و قد أبلوا بلاء حسنا و في أكثر من مناسبة ، و على سبيل المثال لا الحصر كان البدوي و مجيدو و مصطفى و التشيكيطو و الروبيو و العروسي و عمر و محسن و سيف الدين و المصوري و السيمو و مخاطة و الحمام و العربي ملك و المرابط .. علامات فارقة في الساحة الرياضية المحلية والوطنية.

 – تشكيل إدارة تقنية مغربية محترفة ، لأنني أثق في الأطر المغربية و أومن بإمكانياتها الهائلة المثمرة تتحمل المسؤولية الفنية دون أي تدخل إداري كيفما كان نوعه ، و ضمان مبدأ الاستقرار و الاستمرارية و الامتناع عن إقالة أي مدرب لمجرد سوء نتائج بعض المقابلات ، لأن الإنجاز الرياضي لا يقتصر على الانتصارات الجزئية و العفوية ، بقدر ما يتحدد في جودة الأداء الذي سيفضي لا محالة إلى نتائج فاعلة ومتجددة.

– أن أقيم تواصلا فعالا ؛ دوريا و إيجابيا مع المساندين و المشجعين الأوفياء الذين يعتبرون الممول الأول للنادي ماديا و معنويا ، و رجال الصحافة و الإعلام المستقلين … فهؤلاء ليسوا خصوما أو منافسين على “المنصب” ، بل هم أصدقاء يحبون النادي بطريقة انتقادية قد تكون حادة، لكننا كما يقال ننتقد من نحب.

 – سأجتهد في توسيع قاعدة المنخرطين إلى أبعد مدى ممكن ، دون خوف من “انقلاب” أو “تشويش” أو “مؤامرة”، و ذلك عبر تخفيض واجب الانخراط السنوي بالشكل الملائم، حتى يتسنى للمنخرطين ضمان استمرارية النادي، والمشاركة في الجمع العام و ممارسة حق التصويت ، في جو موسوم بالشعور بالمسؤولية و التعددية و حرية التعبير دون إقصاء أو كولسة ، مع التقيد بمبادئ الحكامة الجيدة و التدبير العقلاني. أما الجوائز أما الألقاب أما المنجزات فلا محالة قادمة بعد هذا التخطيط الذي يتخذ من الرياضة المبتدأ والخبر والبداية والمنتهى!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى