أخبار وطنية

مائدة مستديرة بالجديدة تناقش “التجديد والتكامل المعرفي في الفكر الإسلامي المعاصر”

الجديدة: الجيلالي الساجعي

في خطوة لتعزيز الحوار الفكري والمعرفي، نظم مختبر دراسات الفكر والمجتمع بالتعاون مع الجمعية الأكاديمية للبحث العلمي “دارس”، يوم الأربعاء 23 يوليو 2025، مائدة مستديرة تحت عنوان “التجديد والتكامل المعرفي في الفكر الإسلامي المعاصر”. اللقاء شهد تأكيدات متواصلة على الأهمية الحيوية لتجديد العلوم الشرعية ومواجهة تحديات العصر من خلال تبني منهجية التكامل المعرفي.

افتتح مدير مختبر دراسات الفكر والمجتمع ورئيس الجمعية الأكاديمية للبحث العلمي “دارس” فعاليات المائدة بكلمة شاملة، شدد خلالها على أن تجديد العلوم الشرعية، بما في ذلك الدرس العقدي، لم يعد مجرد خيار بل أصبح مطلبا ملحا يتطلب تجديدا جذريا في المناهج والعرض والتقديم. وأكد أن التكامل المعرفي يمثل جوهر الفكر الإسلامي المعاصر، كونه قوة ضاغطة سادت كافة المجالات، مما يدفع بقوة نحو ضرورة التأمل العميق في موضوع التجديد لمواكبة التحديات والمستجدات المتسارعة.

وقد خصص المحور الأول من المائدة المستديرة لمناقشة “التكامل المعرفي في الفكر الإسلامي المعاصر”، حيث قدم الباحثون مجموعة من الشخصيات البارزة والمفاهيم المحورية التي تجسد هذا المنهج الأصيل. فقد قدم الباحث يونس حمدان مداخلة قيمة أبرز فيها الشيخ محمد التاويل كنموذج فريد في التكامل المعرفي، مشيدا بجمعه البارع بين موسوعية العلوم الشرعية والإنسانية وربطه المتقن لأصولها بواقع الحياة المعاصر، ما جعله أنموذجا حقيقيا لعملية التجديد الأصيل. من جانبه، تطرق الباحث عبد القادر بوعلافة إلى العالم المصلح إدريس الكتاني، الذي يمثل نموذجا استثنائيا في تاريخ المغرب الحديث، لجمعه بين العطاء الفكري والأكاديمي والانخراط السياسي والاجتماعي. ركزت جهوده الإصلاحية على الدفاع المستميت عن الهوية الإسلامية واللغة العربية، وأولى اهتماما خاصا بقضية التعليم من منظور تكاملي يجمع بين الأصالة والمعاصرة. في سياق متصل، استعرض عبد الرحيم كمال معالم التجديد الفقهي عند الدكتور يوسف القرضاوي، الذي يعتبر من أبرز مجددي الفقه الإسلامي في العصر الحديث. وأوضح أن تجديد القرضاوي ينبع من داخل الفقه نفسه، مع حفاظه التام على أصوله وتراثه. أشار كمال إلى توسيع القرضاوي لدائرة الفقه لتشمل فقه المقاصد، السنن، الواقع، الموازنات، الأولويات، الأقليات، واللهو، وتميزه بضبط المفاهيم الفقهية مثل التيسير لضمان عدم الانفلات من الدين، وجمعه البديع بين الفقه والواقع، جاعلا معرفة الواقع شرطا أساسيا للاجتهاد.

أما في المحور الثاني، فقد قدم طلبة وباحثون مداخلات قيمة حول مناهج التجديد في الفقه الإسلامي، متنقلين من التأصيل إلى التنزيل العملي. حيث أوضحت الباحثة زينب الحاجي أن الفقه الإسلامي منظومة حية تتفاعل باستمرار مع الواقع. فالتأصيل يضمن شرعية الأحكام وفهم مقاصدها الكلية، بينما التنزيل هو عملية تطبيق تلك الأحكام على الوقائع المستجدة، مع مراعاة مرونة الفقه في تحقيق المصالح ودرء المفاسد. وأكدت أن التكامل بين هاتين العمليتين يضمن مواكبة الفقه لكل زمان ومكان. من جهته، شدد الباحث الحسين اليمني على أن التجديد الفقهي المعاصر يستلزم تبني منهجية التكامل المعرفي لمواكبة تعقيدات العصر، مع الحفاظ الصارم على الأصول الشرعية. ودعا إلى إصلاح تعليمي ومؤسسي وجرأة أكبر في التعامل مع العلوم الحديثة لإنتاج فقه حيوي قادر على الاستجابة لتحديات الواقع. وفي مداخلته، قدم الباحث زكرياء الدكار رؤية قرآنية عميقة للعلوم كبنية واحدة متكاملة، مؤكدا أن التكامل المعرفي يمثل “تماديا في الخدمات وتبادلا في المنافع العلمية بين العلوم” يعود بالنفع العميم على الإنسان والكون. وأشار إلى تجسد هذا التكامل بوضوح في إنجازات الغرب الإسلامي المادية، مثل الحمامات الأندلسية وأنظمة المياه المبتكرة، وفي فكر فقهاء عظام كالإمام الشهاب القرافي الذي دمج العلوم العقلية في فهم نصوص الوحي، مؤكدا أن الجهل ببعضها يوقع الفقيه في القصور.

اختتمت المائدة المستديرة بنجاح، حيث أجمع الحضور على أن الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة ماسة إلى تجديد شامل يوازن ببراعة بين الأصالة الراسخة والمعاصرة الواعية، مستلهما من منهجية التكامل المعرفي لتحقيق التجديد المنشود الذي يخدم الأمة والبشرية جمعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى