أخبار وطنية

الجامعة بين غياب الشفافية واستعمال المال العام لتصفية الحسابات الشخصية

في مؤسسات يفترض أن تقوم على مبادئ الديمقراطية الداخلية، الشفافية، والمساءلة، يصبح من المستغرب – بل من المرفوض – أن تُستعمل أموال الجامعة في قضايا شخصية، وأن يتم تمرير ذلك في صمت مطبق، وكأن الأمر شأن داخلي لا يعني أحدًا. ما وقع مؤخرًا من استعمال جزء من مالية الجامعة لتمويل دعوى قضائية ضد عضو مكتب الفرع الجهوي، فقط لتصفية حسابات شخصية مع رئيس الجهة، يشكل سابقة خطيرة في تاريخ هذه المؤسسة، ويمثل انحرافًا واضحًا عن دورها الحقيقي.

أموال الجامعة ليست ملكًا لأفراد في المكتب المسير، بل هي أموال جميع المنخرطين، والمفروض أن تُصرف حصريًا في الأنشطة، البرامج، والمشاريع التي تخدم مصلحة القنص وتنظيمه. لكن عندما تتحول هذه الأموال إلى أداة للانتقام وتصفية الحسابات، فإننا أمام استغلال فاضح للموارد المشتركة في أغراض شخصية، وهذا الأمر لا يمس فقط النزاهة المالية، بل يضرب مصداقية الجامعة في الصميم.

الأدهى من ذلك أن هذه الخطوة لم تلق أي استنكار من أعضاء المجلس الوطني، ولا حتى من رئيس الجامعة نفسه، وكأن الأمر يمر مرور الكرام. فهل صارت المصالح الخاصة مقدمة على المصلحة العامة إلى هذا الحد؟ وهل أصبح السكوت عن مثل هذه الممارسات هو القاعدة الجديدة داخل المجلس؟

والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لم تعيّن الجامعة محاميًا للدفاع عن العضو الجهوي إذا كانت تدّعي الحياد والحرص على المصلحة العامة؟ أليس من حق هذا العضو، باعتباره جزءًا من البنية التنظيمية للجامعة، أن يحظى بنفس الدعم القانوني الذي توفره الجامعة لغيره؟ أم أن المعايير باتت مزدوجة، والدعم يقدَّم على أساس الولاءات والمواقف الشخصية لا على أساس الحق والقانون؟

إن ما يحدث يكشف عن ثغرات خطيرة في الحكامة الداخلية للجامعة، وعن غياب واضح لآليات الرقابة والمساءلة. فالمجلس الوطني، الذي يفترض أن يكون سلطة عليا للمراقبة والتوجيه، صار في حالات كثيرة مجرد شاهد صامت، يصادق على تقارير مالية دون تدقيق، ويتغاضى عن قرارات قد تضر بسمعة المؤسسة وتستنزف ميزانيتها.

وفي ظل هذا الوضع، لا يمكن الحديث عن جامعة تمثل القناصة بكل أطيافهم، بل عن إدارة تتخذ قراراتها وفق منطق “من معنا” و“من ضدنا”، وتستعمل إمكانياتها المالية والقانونية لترسيخ هذا المنطق. وهذا المسار، إذا استمر، سيؤدي لا محالة إلى تفكك الثقة بين القاعدة والمنظومة المسيرة، وإلى فقدان الجامعة لشرعيتها الأخلاقية قبل القانونية.

لقد آن الأوان لوضع حد لهذا الانحراف الخطير. على المجلس الوطني أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في فتح تحقيق شفاف حول استعمال أموال الجامعة في هذه القضية، وعلى المنخرطين أن يدركوا أن الصمت في مثل هذه الملفات يعني الموافقة الضمنية. فالجامعة ليست ملكًا لأحد، وأموالها ليست شيكًا مفتوحًا لتصفية الحسابات، بل هي أمانة يجب أن تُصرف حيث تخدم القنص وتنميته، لا حيث تشبع رغبة في الانتقام.

إن الدفاع عن مبدأ الشفافية والمساءلة ليس خيارًا، بل هو واجب على كل من يؤمن بأن المؤسسات يجب أن تُدار بالقانون والورقة والقلم، لا بالمجاملات أو الصراعات الشخصية. وأي تهاون في هذا الجانب سيجعل من الجامعة ساحة لتصفية الحسابات بدل أن تكون بيتًا جامعًا للقناصة، وهذا ما يجب أن يرفضه كل من يحرص على مستقبل القنص في بلادنا.

بقلم : أيوب محفوظ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى