كتاب و آراء

مشروع الوكالة الوطنية للمياه والغابات لتنظيم الصيد بالسلوقي: رؤية من أجل استدامة وتراث

بقلم : ايوب محفوظ 

منذ قرون بعيدة، ارتبط الصيد بالسلوقي في المغرب بعمق الحياة البدوية والترحال في الصحراء والبوادي، حيث كان هذا الكلب الأصيل رفيقًا وفيًا للإنسان في رحلاته اليومية ومغامراته القنصية، يتميز بسرعته الفائقة، حدة بصره، وذكائه الفطري. وقد كان السلوقي أكثر من مجرد كلب صيد، بل رمزًا للفروسية والشرف ووسيلة للحفاظ على التوازن الطبيعي عبر صيد محدود يراعي دورة الحياة البرية. ومع مرور الزمن، انتقلت هذه الممارسة من كونها وسيلة أساسية للعيش إلى رياضة تراثية وثقافة متوارثة، حملتها الأجيال كجزء من الهوية المغربية.

غير أن العقود الأخيرة شهدت تحولات عميقة أثرت على هذا الموروث، فقد أدى الانتشار الواسع لوسائل النقل وغياب إطار قانوني صارم إلى ممارسات عشوائية للصيد بالسلوقي، ما تسبب في تراجع أعداد الأرانب البرية وتدهور التنوع البيولوجي في عدد من المناطق. كما أن بعض الممارسات غير المسؤولة حولت الصيد من نشاط منظم إلى فوضى ميدانية تهدد هذا التراث وتضر بالبيئة. وهو ما جعل أصوات الجمعيات القنصية، والمهتمين بالشأن البيئي، والباحثين في التراث، ترتفع مطالبة بوضع قانون واضح يحفظ للسلوقي مكانته وللأرنب البرية وجودها.

في هذا السياق، جاء المشروع الذي تقدم به السيد المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات خلال انعقاد المجلس الأعلى للقنص، والذي شكل منعطفًا مهمًا في تاريخ تنظيم الصيد بالسلوقي بالمغرب. فقد استقبل الحاضرون المشروع بترحيب واسع لما تضمنه من رؤية متكاملة تمزج بين الحفاظ على التراث وضمان الاستدامة البيئية. المشروع لم يقتصر على ضبط الممارسة قانونيًا، بل سعى إلى إحياء الصيد بالسلوقي في صورته الراقية التي تحفظ التوازن الطبيعي وتخدم التنمية المحلية.

من أبرز ما جاء في هذا المشروع وضع نظام وطني لتسجيل السلوقيين عبر شرائح إلكترونية مرتبطة بقاعدة بيانات مركزية، مما يسمح بتحديد الهوية وضبط الممارسات غير القانونية. كما نص على إلزامية الحصول على رخصة سنوية لممارسة الصيد بالسلوقي، مع فرض شروط تتعلق بصحة الكلب، تلقيحه، وعدد الأرانب المسموح بصيدها خلال الموسم. هذه الإجراءات تهدف إلى إنهاء الفوضى وضمان أن الصيد يتم في إطار منظم ومسؤول.

كما أدرج المشروع بُعدًا تنمويًا واقتصاديًا من خلال تشجيع الجمعيات القنصية والخواص على إنشاء مزارع لتكاثر الأرانب البرية وإطلاقها في الطبيعة، مما يضمن تجديد المخزون الطبيعي ويخلق فرص عمل جديدة مرتبطة بالسياحة القنصية. وتم اقتراح تنظيم مهرجانات وملتقيات وطنية للصيد بالسلوقي، تكون منصات لتبادل الخبرات وعرض السلالات النقية والترويج لهذه الرياضة على المستويين الوطني والدولي، بما يعزز صورة المغرب كبلد يحترم تراثه ويحافظ على بيئته.

الجانب التوعوي أخذ حيزًا مهمًا في المشروع، حيث ركز على إطلاق حملات تحسيسية تستهدف الهواة والجمعيات، وتشرح القوانين الجديدة، وتبرز أهمية الصيد المسؤول في حماية الأرنب البرية والنظام البيئي. كما أشار المشروع إلى دور المندوبات الإقليمية للوكالة في التنسيق مع السلطات المحلية لضمان التطبيق الفعلي للإجراءات المقررة، مع تفعيل آليات المراقبة الميدانية لمكافحة الصيد غير المشروع.

ورغم الحماس الذي قوبل به المشروع، فإن تطبيقه سيواجه تحديات واقعية، من أبرزها مقاومة بعض الممارسين غير المهيكلين لأي تقنين قد يحد من حرية الصيد، وصعوبة مراقبة المساحات الشاسعة التي تتم فيها هذه الممارسة، إضافة إلى الحاجة لتأهيل الموارد البشرية والمادية للوكالة الوطنية والجمعيات لضمان نجاح التنفيذ. ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية والإجماع الذي أبداه أعضاء المجلس الأعلى للقنص، إلى جانب الدعم الكبير من الجمعيات البيئية والقنصية، تشكل أرضية صلبة لتجاوز هذه التحديات.

إن هذا المشروع، إذا تم تنفيذه كما هو مخطط له، لن يكون مجرد تنظيم إداري للصيد بالسلوقي، بل سيشكل نقلة نوعية في كيفية تعامل المغرب مع تراثه الطبيعي والثقافي. فهو يربط الماضي بالحاضر، ويجعل من السلوقي والأرنب البرية سفيرين للهوية البيئية المغربية، ويمنح للأجيال القادمة فرصة لممارسة هذا النشاط في بيئة متوازنة ومحافظة. ولعل نجاحه سيكون نموذجًا يحتذى به في مجالات أخرى حيث يلتقي التراث بالاستدامة البيئية، في انسجام بين الأصالة والمعاصرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى