أخبار الجهة

غيلان تحت المجهر.. من المسؤول عن تأهيل من يمثل المواطن؟

بينما كانت خطابات العرش تمثل عبر السنوات محطة لاستنهاض همم الفاعلين السياسيين وضبط بوصلة العمل المؤسساتي، كشفت تدوينة حديثة لنائب عمدة طنجة محمد غيلان الغزواني حجم الهوة التي تفصل بعض المنتخبين عن منطق الدولة ومقامات التعبير السياسي.

حين كتب أن “الملك يستفز الأحزاب”، فتح غيلان بابا واسعا لنقاش لا يقل أهمية عن مضمون الخطاب الملكي ذاته: هل يدرك بعض المنتخبين حدود اللغة في السياق السياسي؟ وهل تملك نخبنا المحلية أدوات التعبير الملائم في زمن لم يعد يقبل الهفوات؟

ففي بيئة سياسية مشحونة بالتحديات، يفترض أن يكون المنتخبون شركاء في تهدئة المجال العمومي، لا مصادر لتوتيره، لكن المقلق اليوم هو أن عددا من المسؤولين الجماعيين، خصوصا في المدن الكبرى مثل طنجة، باتوا يتعاملون مع مناصبهم كما لو كانت امتدادا لحساباتهم الشخصية على فيسبوك، دون إدراك أن أي تعبير يصدر عنهم يفترض أن يعكس موقف مؤسسة منتخبة، لا رأيا عابرا لشخص في مقهى افتراضي.

تدوينة غيلان لم تكن زلة معزولة، بل هي نموذج لحالة من “الانفلات التعبيري” التي باتت تصاحب عددا من المنتخبين المحليين، ممن لم يستوعبوا أن الكلمات في الفضاء العمومي تحاسب كالأفعال، وربما أكثر.

وراء هذا الخلل اللغوي الظاهر، تتوارى أزمة أعمق كأزمة التكوين السياسي، فعدد من المسؤولين المحليين وصلوا إلى مواقعهم عبر أصوات انتخابية لا تعني بالضرورة امتلاكهم للحد الأدنى من أدوات التأطير السياسي، أو فهم رمزية الدولة، أو حتى معرفة الفارق بين الخطاب المؤسساتي والخطاب اليومي.

إن تكوين النخبة السياسية المحلية في المغرب، على أهميته، ما زال يخضع لمعادلات انتخابوية أكثر مما يخضع لمعايير الكفاءة التواصلية أو الدراية الدستورية، لهذا لا غرابة أن يوصف خطاب ملكي سام بمفردة تستخدم عادة في النزاعات أو التحريض، بدل أن يقرأ في ضوء موقع الملك كفاعل دستوري أسمى، ضامن للتوازنات وموجه للمسار.

ما لا يستوعبه بعض المسؤولين أن المنصات الاجتماعية، رغم طابعها “الشخصي”، لم تعد مساحة معزولة عن الفضاء العمومي. فحين يدلي مسؤول جماعي برأيه على فيسبوك، فإن الأمر لا يختلف كثيرا عن تصريح صحفي أو رسمي، وبالتالي، فإن أي خلل في التعبير يحسب على المؤسسة التي يمثلها، لا على شخصه فقط.

وهنا الأمر يحيلنا إلى سؤال حرج هل نعيش لحظة تفتت للحدود بين التواصل المؤسساتي والتعبير الشخصي؟ وهل بات الفضاء الرقمي مجالًا يُضعف فيه المنتخب رمزية الدولة، بدلا من أن يرسخ احترامها؟

لذا فإذا كانت خطابات العرش تقليدا ملكيًا سنويا ينتظر منه توجيه البوصلة السياسية والمؤسساتية، فإن أي رد فعل غير محسوب من طرف المنتخبين يكشف هشاشة في قراءة اللحظة، وضعفا في الإحاطة بالرهانات التي يحملها الخطاب.

وكان الأجدر بمسؤول مثل نائب عمدة طنجة أن يسهم في تأطير النقاش العمومي حول مضمون الخطاب، لا أن يربكه بتوصيف ارتجالي، لأن الأمانة التواصلية، هنا، لا تقل عن الأمانة السياسية، وعندما يفقد المنتخب قدرته على التعبير المسؤول، فهو يفقد تدريجيا جزءا من شرعيته الرمزية أمام المواطنين.

لذا فما وقع قد يكون فرصة لطرح فكرة ميثاق وطني للتواصل السياسي، خصوصا في ظل تنامي أخطاء التصريحات الرقمية، وهو ميثاق يحدد المبادئ الأخلاقية واللغوية التي يجب احترامها في الخطاب العام، خاصة من طرف من يحملون صفة التمثيل المؤسساتي.

ذلك لأن أزمة النخب اليوم، لم تعد في ضعف الإنجاز فقط، بل في عجزها عن التعبير عنه بلغة تليق بالمقام، وتحترم ثوابت الدولة، وتقنع المواطن بأن من يمثلهم، أهل للموقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى