التكامل المعرفي: بوصلة لمواجهة قضايا المجتمع في عصر التحولات

متابعة: الجيلالي الساجعي
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الجديدة مائدة مستديرة، تحت عنوان “التكامل المعرفي وقضايا المجتمع”. هذه المائدة، التي نظمتها الجمعية الأكاديمية للبحث العلمي “دارس” بالتعاون مع مختبر دراسات الفكر والمجتمع، سعت لاستكشاف سبل تسخير المعرفة المتكاملة لمواجهة التحديات الاجتماعية المعاصرة، مؤكدة على ضرورة دمج التخصصات المختلفة لإيجاد حلول مستدامة في عالم يزداد تعقيدًا.
افتتح المائدة الأستاذ الدكتور عبد المجيد بوشبكة، مدير مختبر دراسات الفكر والمجتمع ورئيس جمعية “دارس”، بكلمة ركز فيها على أن قضايا المجتمع لا تنتهي، وأن غياب الرؤية التكاملية يجعلها عالقة، مشددا على أن التكامل المعرفي بات ضرورة ملحة، تتطلب طرقا وحلولا متعددة لهذه القضايا المستمرة.
توالت بعد ذلك مداخلات الطلبة الباحثين الذين أثروا النقاش برؤى متعددة: فقد قام الباحث محسن اعريوة في مداخلته بطرح تساؤلات جوهرية حول “التكامل المعرفي وآثار ثورة المعارف”. استعرض فيها التحول من وحدة المعرفة القديمة (كما لدى أرسطو وابن سينا) إلى التخصصات الدقيقة التي ضيقت الأفق المعرفي أحيانا. ورغم تحذيره من تراجع دور الإنسان كمصدر للمعنى ومن الانبهار المفرط بالتقنية، إلا أنه رأى في الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة واعدة لربط المعارف المتباينة وتحليلها بسرعة، بما فيها النصوص الدينية من زوايا متعددة في آن واحد. كما سلطت الباحثة كوثر بريسول الضوء على “الأدوار الأسرية والمقاصد الجمعية”، مؤكدة أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء مجتمع متماسك. وبينت كيف يسهم كل دور أسري (الإصلاح، الاستقرار، الإعمار، القيادة، الشهادة) في تحقيق مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية. وخلصت إلى أن الأسرة الواعية بدورها وفق المرجعية الإسلامية ضرورية لتحقيق الأمن النفسي والنهضة المجتمعية والتكامل الوظيفي.
وفي السياق ذاته، تابعت الباحثة هدى فريد بمداخلة حول “الالتزامات الأسرية وأثرها في التفاعل مع المحيط”. أبرزت فريد أن الأسرة تؤدي وظائف متعددة (قيمية، اجتماعية، اقتصادية، تربوية، وبيئية) تنشأ عنها التزامات تؤثر بعمق في علاقتها بمحيطها، مثل حفظ التوازن الاجتماعي، وحفظ الفطرة السليمة، وتحقيق مقصد الزوجية والتعارف. وأكدت أن الأسرة الواعية بمسؤولياتها تساهم بفاعلية في حفظ القيم والاندماج المجتمعي، مما يجعلها ركيزة في حفظ العمران وخدمة مقاصد الشريعة.
الطالب الباحث عبد الرحمن ماركو تناول موضوعا بالغ الأهمية بعنوان “التكامل المعرفي والبعد الأخلاقي”. أشار ماركو إلى أن التحولات المعرفية تفرض إعادة تقويم لركائز المعرفة التي ربما أغفلت أبعادا أساسية. وتحدث عن الدلالة الاصطلاحية للتكامل المعرفي ومظاهر تداخل الخطاب الأخلاقي والمعرفي، مستدلا بآراء طه عبد الرحمن في مفاهيم كـ “العقل والعقلانية” و”فقه الفلسفة”. وشدد على أن حضور البعد الأخلاقي ضروري ومركزي في كل التخصصات المعرفية، مؤكداً أنه لا يقل أهمية عن البعد المنهجي في بناء نظرية التكامل المعرفي.
أخيرا، تطرقت الباحثة صفية شفيقي في مداخلتها “التكامل المعرفي: من المنهج الشرعي إلى الدلالات التربوية” إلى التكامل المعرفي كقضية جوهرية في الفكر الإسلامي المعاصر، خاصة في ظل تحديات التخصصية والتجزئة المعرفية. أبرزت شفيقي أهمية المنهج الشرعي كإطار مرجعي يضبط المعرفة ويوجهها، مؤكدة ضرورة الربط المنهجي بين المنهج الشرعي والدلالات التربوية لتأسيس رؤية معرفية متكاملة تؤثر في بناء المناهج التعليمية.