أخبار وطنيةالتعليم

ازدواجية المعايير في التعليم المغربي: الأستاذ تحت المجهر والمفتش خارج دائرة المحاسبة

في مشهد يعكس مفارقة صارخة داخل المنظومة التربوية، أطلقت نقابة مفتشي التعليم بالمغرب برنامجا نضاليا تصعيديا، تضمن في شطره الأول مقاطعة شاملة للتكوينات الوطنية والجهوية والإقليمية، بما في ذلك تلك المرتبطة بمشروع “مؤسسات الريادة” في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي، وذلك دون أن تبادر وزارة التربية الوطنية بأي إجراء استفساري أو تأديبي تجاه هذه المقاطعة. 

في المقابل، يلاحظ أن أي خطوة مماثلة تصدر عن الأساتذة، لا تمر دون متابعات إدارية صارمة، واستفسارات عاجلة، بل وحتى اقتطاعات من الأجور.

هذا التباين يطرح تساؤلات حارقة داخل صفوف نساء ورجال التعليم: هل المحاسبة مرتبطة بالفعل ذاته، أم بالشخص القائم به؟ وهل يظل الأستاذ وحده الحلقة الأضعف في معادلة المنظومة، حيث تفرض عليه جميع التبعات، بينما تعامل هيئات أخرى بمعايير مغايرة تماما؟

فحين قاطع عدد من الأساتذة الزيارات الصفية أو التكوينات الارتجالية احتجاجا على ظروف العمل أو ضعف المحتوى، وجّهت إليهم اتهامات عديدة: “عرقلة المرفق العمومي”، “الإخلال بالواجب المهني”، بل وأُقحم أحيانا شعار “مصلحة التلميذ فوق كل اعتبار”، ليبرر الاستعانة بمتعاقدين أو غرباء عن القطاع لسد الخصاص.

أما حين قرر مفتشون – في إطار نزاعهم مع الوزارة – مقاطعة التكوينات بشكل جماعي ومنظم، وحرمان الأساتذة من حقهم في التكوين والتأطير، لم تحرك الوزارة ساكنا، ولم تصدر أي موقف رسمي، وكأن الأمر لا يرقى إلى مستوى “العرقلة” أو “الإضرار بالمصلحة العامة”، بل قدمت هذه الخطوة النضالية كما لو أنها نموذج في “الدفاع المشروع عن الكرامة المهنية”.

وفي هذا السياق، يسجّل العديد من الفاعلين التربويين بأسف شديد ما يعتبرونه ازدواجية واضحة في المعايير، تكرس منطق الانتقائية في التعامل مع فئات المنظومة، وتؤجج الإحساس بالغبن واللاعدالة لدى آلاف الأساتذة الذين يجدون أنفسهم دائما تحت طائلة الرقابة والمحاسبة الإدارية، بينما تمرر خطوات مماثلة لهيئات أخرى في صمت رسمي.

ويرى مراقبون أن صمت الوزارة أمام هذه المقاطعة المفتوحة يفقدها الكثير من مصداقيتها في الدعوة إلى “تكافؤ الفرص” و”العدالة التنظيمية”، ويبرز حجم الارتباك داخل الإدارة المركزية التي باتت تتعاطى مع الأزمات بمنطق التجاهل بدل الحوار.

ولئن كان من حق كل هيئة أن تدافع عن مطالبها المشروعة، فإن العدالة تقتضي أن تعامل الأفعال ذاتها بنفس المعيار، وألا يضحى بالأستاذ في كل مرة كـ”كبش فداء” في أزمات المنظومة، خصوصا عندما يكون المتضرر النهائي من هذه التناقضات هو التلميذ المغربي، الذي يحرم من جودة التكوين والتأطير، تحت أعين الجميع.

فإما أن تكون المقاطعة حقا نضاليا مشروعا للجميع، وإما أن تعامل باعتبارها إخلالا بالمرفق العمومي في كل الأحوال، دون تمييز أو محاباة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى