مسرحية “فاتي اريان” من طابوهات القرية إلى غابة المدينة

في اطار انشطتها الاشعاعية المرتبطة بقضايا المرأة نظمت جمعية السناء النسائية بتعاون مع المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالجديدة عرضا مسرحيا تحت عنوان ” فاتي اريان ” قدمتها جمعية الشعاع للمسرح من تارودانت وذلك يوم السبت 3 يوليوز 2021 بمدرج هذه المدرسة .
المسرحية من. تأليف محمد ماشتي – إخراج مولاي الحسن الإدريسي –تشخيص صفية زنزوني- مساعدة المخرج عبد الرحمان خالص.– سينوغرافيا صفية زنزوني- تصميم الإضاءة ابراهيم رويبعة – تاليف الموسيقى المختار بلخدير- غناء المختار بلخدير، فاطمة كيبة – مؤثرات.صوتية رضا رويبعة – العلاقات العامة والتواصل رشيدة كرعان.
رغم ضروف الجائحة تابع هذا العرض جمهور لاباس به في غياب شبه تام للمهتمين بالمسرح بالمدينة كان وجودهم سيغني النقاش الذي تلا العرض
“فاتي اريان ” نص مونودرامي غني بالايحات والصور البلاغية استعمل فيه المؤلف صيغة السرد بلغة شاعرية جميلة وصورا تتطلب لفك رموزها قراءة النص عدة مرات كما استعمل صيغة الحوار مع شخصيات مفترضة في قالب ممتع .نقل للجمهور قصة فطومة وهي شابة قروية تعيش الاختناق وسط الجبال في مكان يعتقد الكثيرون انه الاكثر صفاء ونقاء فتنفلت وتتحرر منه الى المدينة املا في الانعتاق لكنها تواجه الانكسارات وتعيش احداثا هي وجه اخر لمجتمع مغاير لقريتها .النص هو قراءة فنية في واقع المراة في المجتمعات التي تعيش اصالة منغلقة مستبدة ومعاصرة مبنية على الاستهلاك واستغلال كل شيئ بما في ذلك جسد المراة
لقد حملتنا الممثلة صفية زنزوني التي شخصت العرض في قالب سردي مشوق، وسارت بنا كرونولوجيا في ترتيب زمني بسيط، ولكنه قوي الدلالات، تحكي قصة فطومة التي تمسكت بقصة حب وجعلت منه خيطها نحو الإنعتاق من قيود البادية وطابوهاتها وازدواجية سلوك ونفاق أصحاب الأمر والنهي فيها.
تنزيل النص على خشبة المسرح تطلب من المخرج قراءته قراءة مسرحية اذ تمكن من ربط خيط “فاتي اريان” في النص مع المرئي فوق الخشبة حيث اختاركديكوررئيسي لتحديد الفضاءات، أشرطة متعددة يسهل اختراقها،وتشكل في نفس الوقت جدارات متاهات تتوه بينها “الممثلة صفية /فاتي”. التي تعمد في لحظات محددة إلى ربط هذه الأشرطة فيما بينها لتحيلنا على خيط ارياندي دون حشو او حاجة للشرح والتفسيروتصل بنا إلى عوالم الحكرة والاستغلال والتمسك بحب وهمي، تتكرر ماسيه باختلاف الأمكنة والأزمنة، وان كانت زمنا واحد هو زمن المأساة ومكانا واحدا في تعدده هو مجزرة السذج والضعفاء والمخلصين في حبهم.
لقد بذل مولاي الحسن الادريسي مجهودا كبير لتجسيده امام الجمهور وتحويل المتخيل وكثير من المنطوق الى لغة حروفها الممثلة صفية زنزوني وديكور وملابس وانارة من خلالها كون صورا مرئية دلالية لا تبتعد عن روح النص وخيطه الرابط معتمدا لتشخيصه على الحكي الذي تطلب ايقاعا خاصا اعتمد على قلة الحركة او انعدامها في بعض الاحيان حيث كان صوت الممثلة المقتدرة صفية زنزوني بتنفسه ومخارج حروفه ولحضات الصمت هو سيد الموقف كما اعتمد كثيرا على الحوار مع الشخصيات موظفا الحركة الفجائية والسرعة والانفعالات .هذه الشخصيات استعملت الاقنعة لإحضارها المفترض على الخشبة وهو ما تطلب من الممثلة صفية جهدا اضافيا وتحكما في تقنيات اللعب بها . الأغاني كانت حاضرة في بعض فترات العرض ليس فقط لتغيير الديكور آو ملء الفراغات، بل تم توظيفها لتكثيف المعنى وللتعليق على المأساة. مع الاستعانة بالإضاءة على كشف الحالات النفسية للشخصيات و تضييق الفضاء أو توسيعه حسب أحداث المسرحية. كل ذلك بالاضافة الى باقي المؤثرات الأخرى شكل لوحة فنية رائعة امتع بها المخرج الحضورلاكثر من ساعة من الزمان صفق الجمهور بعدها كثيرا امتنانا للمثلة صفية زنزوني ومولاي الحسن الادريسي مخرج المسرحية المتنقنة .
تلى العرض نقاش ثري تناول بالمناسبة الوضع الثقافي والمسرحي بالمدينة حيث تضل قاعاتها على قلتها مغلقة وهو ما يتطلب من المسؤولين عن الشان الثقافي بالمدينة اعادة النظر في ادائهم كما ان على المجتمع الثقافي وجمعياته المسرحية والفنية والثقافية العمل والترافع حتى يتمكن الجديديون والجديديات ان يجدوا كل اسبوع فرصة لقضاء وقت ممتع في مشاهدة مسرحية او عرض فني جاد .فوقتنا يقتله الاستهلاك التافه والجلوس السلبي في المقاهي التي اصبحت تنبت كالطحالب في كل ارجاء المدينة
بقلم: محمد فتحي