أرضية أدبية لندوة الطفل والتراث في التنشيط السوسيوتربوي وسؤال التجديد

بملو
أضحى الفعل التربوي المستند إلى مرجعيات علمية ضرورة حيوية لتحصين وتجديد وتأصيل صيرورة تدخلات الرعاية والحماية والتمكين التي تقوم بها مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أجل الطفل – الانسان – باعتباره كائن بيلوجي يؤول نحو كينونة ثقافية – اجتماعية . وتسعى بلوغ تربية إنسانية أصيلة تعتز بالذات وتتفاعل مع بيئتها وتروم تعزيز البعد الإنساني بكل أبعاده في بناء شخصية الطفل المستقلة المبادرة المشاركة والمبدعة في مواجهة مد الثورة الصناعية الرابعة .
ولما كان الاهتمام بالتراث باعتباره كل ما يتركه الإنسان لمن يخلفه أو يأتي بعده ، وكل ما وصل إلينا من الماضى داخل الحضارة السائدة ، وله خاصية الفعل والتأثير فى حياتنا . فان الاستلهام منه وإعادة إحيائه وتجديده في أنساق زمنية حاضرة متفاعلة مع الواقع متطلعة إلى المستقبل ، يعتبر أحد أشكال الدفاع عن الهوية الإنسانية خلال كل العمليات التربوية التي نقوم بها ، بخلفية المحافظة وتعزيز مفهوم الذات لدى الطفولة واكتساب مناعة ضد الاستلاب الثقافي الذي تمارسه المؤسسات الاقتصادية العالمية الكبرى وغيرها وإكسابه القدرة على التعايش وفرض الذات أمام نظام العولمة الجديد و الذي قد يؤدى إلى تغريب الأطفال عن تراثهم ومن ثم فقدان الاعتزاز بالحضارة الموروثة والانسلاخ الفكري والروحي عن الهوية .
والقصد باستلهام التراث في العمليات التربوية هو توظيفه و تقديمه بشكل دينامكي وإعادة إنتاجه في إطار سياقات تربوية منسجمة شكلا ومضمونا بما يعكس استحضار فترات محددة من التاريخ سواء من خلال مواقف ، أو حوادث ، أو شخصيات ، أو استلهام قصص وحكايات وفكاهات ونوادر. والأمثلة من التراث الشعبى ، أو استغلال كتب تراثية عالمية ، أو العمران والصناعة التقليدية والازياء وغيرها من الأشكال التراثية .
كما أن تقديم التراث برؤية عصرية تناسب الحاضر في عملياتنا التنشيطية – التربوية ، لا يمكن أن يتحقق بدون توافر مجموعة من الشروط فى مقدمتها : استخدام اللغة النصية واللغة الأيقونية، مع توظيف التكنولوجيا من جهة ومن جهة أخرى التبصر في مناولة بعض أشكاله ومضامينه والتي قد لا تنسجم مع تصوراتنا وقناعاتنا فالماضي لا يخلو من أخطاء وكبوات ، وهو الأمر الذي من شأنه بعث الحياة في هذا التراث ، وجعله متجددا ، لتحقيق لمعادلة شديدة الصعوبة ، وهى مزج الأصالة بالمعاصرة .
انطلاقا من هذه الرؤية العامة التي نرمي من خلالها بحث مناولات متجددة للموضوع وطرح السؤال المعرفي حول أثر التراث في الفعل التربوي التنشيطي الراهن والإمكانيات التي يتيحها ؟ . من خلال محاورة موضوع الطفل والتراث من مقاربات فكرية ، سيكولوجية ، إجتماعية ، بيئية ، ابداعية … وذلك من خلال بحث تجليات وتمثلات هذا التراث في مختلف العمليات التربوية المندرجة في إطار التنشيط السوسيوتربوي الذي تقوم به مختلف المؤسسات والأفراد و التي تستهدف الطفل ونقصد بالخصوص تلك المتعلقة بالتنشيط السوسيوتربوي الذي يشارك فيه الطفل داخل حلقات تربوية غير نظامية كحلقات المسرح والرسم واللقاءات التربوية سواء داخل مؤسسات الطفولة والشباب أو خارجها والكتابات والإنتاج المندرج في إطار أدب الطفل أو الحلقات المرتبطة بالإنتاج السمعي البصري إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي والبرامج المعلوماتية وفضاءاتها ؟. لنخلص بعدها لطرح السؤال الجوهري التالي ومناولته .
كيف يمكن للتراث الفكري ، الأدبي ، السيكولوجي ، الاجتماعي ، البيئي …. أن يصوغ مقاربات تربوية متجددة تمكن الطفل و الإنسان من رفع تحديات الثورة الصناعية الرابعة ؟
وكيف نستطيع تأصيل فعل تنشيطي يروم توظيف التراث وفق المنظور الذي طرحناه أعلاه ويحد من التوظيف السطحي الاحتفالي الشعبوي أحيانا له في البرامج التنشيطية التربوية بكل أشكالها ؟