كتاب و آراء

دور المؤسسات المهنية في القضاء على ظاهرة ” محامي البوز “

د/ خالد الإدريسي

أصبحت مهنة الدفاع تعيش أزمة حقيقية على عدة مستويات سواء من الناحية التشريعية أو الاجتماعية أو الأخلاقية ، زادت استفحالا مع تطور مجال الإعلام من خلال ظهور مواقع اليكترونية إخبارية , وازدهار مجال المعلوميات و ظهور مواقع التواصل الاجتماعي . هذا المعطى و إن شكل نعمة على مهنة المحاماة بتثمينها و تسهيلها لعملية التواصل و التعارف بين الزملاء المنضوين في إطار النقابات السبعة عشر للمملكة ، فإنها شكلت أيضا نقمة من خلال الاستغلال البشع الذي لجأ له بعض الزملاء لهذه الوسائل و المواقع من أجل الوصول إلى الشهرة ، أو تصفية حسابات خاصة ، أو خدمة أجندات معينة , لا تريد لمهنة الدفاع أن تتقوى و تكون بالفعل الدرع المنيع الذي يحمي حقوق و حريات و مصالح الأفراد و الجماعات .
و لعل الجميع لاحظ هذا الأمر بشكل واضح في تصرفات الزملاء الذين ينوبون أو يؤازرون في ملف توفيق بوعشرين ، ذلك أن حب الظهور و البحث عن الشهرة و خلق ” البوز ” أصبح هاجس هؤلاء الزملاء الأول و الأساسي ، و ليس الحرص على ضمان محاكمة عادلة لجميع الأطراف المعنية بالمحاكمة القضائية كما تقضي بذلك أحكام و مبادئ قانون المسطرة الجنائية . و بدأنا نلاحظ أنهم أصبحوا يتهافتون على المواقع الإخبارية الالكترونية المحترمة و غير المحترمة من اجل إما الإدلاء بتصريحات تتعلق إما بإفشاء سر مهني من المفروض أنهم مؤتمنون عليه بمقتضى القسم الذي أقسموا عليه أثناء ولوجهم للمهنة . و إما بالوصف الدقيق و المبالغ فيه أحيانا لأشرطة جنسية متعلقة بهذه القضية بقصد الإثارة من دون إحترام قرينة البراءة و لا تقدير لشرف و كرامة عائلات المتهم و الضحايا التي يوجد بها أباء و أمهات و أبناء و بنات و زوجات و أزواج غير مستعدين من الناحية النفسية للمعاناة أكثر مما يعانون , من تأثير هذه التصريحات المثيرة و المتنطعة الخادشة للحياء و الماسة بالشرف و التي وصلت بزميل أن يصف في تصريحه لموقع إخباري كيف كان يتفحص المتهم في أحد الأشرطة المعروضة في هذا الملف , مؤخرته لمدة عشر دقائق , و لا ادري ما علاقة مؤخرته أو مقدمته بالملف , و ما يدريه إن كان المتهم هو بالفعل صاحب الفيديو , ثم ما مصير تصريحاته لو حصل المتهم على البراءة لا سيما أن السب و القذف , و ما يستتبع ذلك من تشهير , والذي يدخل في إطار حصانة الدفاع و لا يسائل عليه المحامي هو المرتبط بالمرافعات و المذكرات داخل قاعات المحاكم , و ليس السب و القذف و التشهير الذي يكون عبر وسائل الإعلام خارج قاعات المحاكم , و لذلك فلا مانع لأي شخص نتج له ضرر من هذه التصريحات أن يسلك المساطر القانونية المتاحة من اجل رد اعتباره , و لا يحق الدفع بحصانة الدفاع في هذا المجال . و إما , ثالثا و أخيرا , بالتهجم و الانتقاص من بعضهم البعض ، و كأنهم هم الأطراف التي تخضع للمحاكمة و ليسوا دفاع هؤلاء الأطراف ، و بالتالي فتقمص هؤلاء المحامين لدور المتهم و أيضا لدور المطالبات بالحق المدني جعلهم يقعون في المحظور ، و أصبحت طلباتهم و ملتمساتهم و دفوعاتهم و تصريحاتهم كلها مبنية على المبالغة و انعدام الموضوعية ، و مخالفة القوانين و التقاليد و الأعراف المهنية , لاختلاط و تداخل الذاتي بالموضوعي في هذا الملف .
وربما ما وصلنا إليه اليوم , وما برز في هذه المحاكمة المثيرة للجدل , هو جزء صغير فقط مما يراد له أن تكون مهنة المحاماة من ضعف و فتنة و خلاف بين الزملاء ، و هذه الحقيقة الواقعية هي مرآة مصغرة للحقيقة التشريعية الموجودة حاليا و التي لا تخدم مهنة المحاماة في القيام بأدوارها الحقوقية بأي حال من الأحوال , و أيضا للحقيقة التشريعية المستقبلية التي ستزيد الطين بلة من خلال ما يحاك ضد مهنتنا النبيلة من مؤامرات عن طريق تجهيز و صياغة مشاريع و مسودات قوانين مرتبطة بعمل المحامي على المقاس , و لا سيما فيما يتعلق بقانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية و قانون المهنة الذين يتضمنون مجموعة من المستجدات التي تنقص من قيمة المحاماة و تشكل خطرا على استقلاليتها و حصانتها . هذا كله للأسف , أمام صمت رهيب و مخيف لهيئات المحامين بالمغرب , ماعدا هيئة المحامين بالدار البيضاء التي و إن كانت سباقة إلى إصدار بيان ناري يستنكر ممارسات بعض رجال الدفاع في ملف بوعشرين ، ربما من منطلق أن المحاكمة تجري داخل دائرتها القضائية , إلا أنه يمكن القول أن هيئات المحامين لم تخلق و تنتخب لإصدار البيانات من أجل الاستنكار و الشجب ، كما تفعل الدول العربية حينما تريد التضامن مع القضية الفلسطينية , و تحاول أن تحافظ على بعض ماء وجه الكرامة المهدورة تحت وطأة الضعف و الفرقة و الخيانة التي تنخر جسدها . لأن هذه الهيئات لها من السلطات التقريرية ما يكفي من أجل متابعة المحامين المخلين بالتزاماتهم المهنية و عرضهم على المجالس التأديبية و توقيع عقوبات رادعة في حقهم . و هذا الأمر كان يمكن للسيد نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء أن يقوم به بدل إصدار بيان أجوف لن يلتفت له أحد من المعنيين به ، مثلما لم يتم الالتفات لمنشوره السابق حول تقديم الاستشارات القانونية في وسائل الإعلام ، إذ إننا لاحظنا أن زملاء و خاصة من هيئة المحامين بالدار البيضاء لازالوا يقدمون استشارات قانونية في وسائل الإعلام من دون الإكثرات للمنشور المذكور و هذا فيه مساس واضح بقوة ورمزية مؤسسة النقيب ، وهو ما يجعلني أؤكد للسيد النقيب و السادة أعضاء مجلس هيئة المحامين بالبيضاء ، أنه من الضروري تجاوز ثقافة البيانات و التنديدات و الاستنكارات و الوصول إلى مرحلة التأديب و الإنذار و التوبيخ و التوقيف المؤقت و العزل إن اقتضى الحال ، في حالة حدوث مخالفات مهنية كالتي تقترف من طرف الزملاء بشكل مستمر في ملف بوعشرين . و هذا الكلام موجه للسيد نقيب هيئة المحامين بالبيضاء من باب التفضيل و التشريف لأنه أول من تحرك و عبر عن موقفه الرافض لهذه السلوكيات ، و لذلك فإنه من باب أولى أن يتخذ نقباء و مجالس باقي الهيئات الصامتة الكتومة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى