مستشفى محمد الخامس تعد أكبر مركز صحي بمدينة طنجة ، هنا الباب الذي يطرقه الطنجاويون و سكان الضواحي و المدن المجاورة طلبا للعلاج ، هنا يستنجد المواطن البسيط و الضعيف و الفقير ،هنا الأمل لكل مريض و هنا تبدأ حكايتي ،حكايتي مع مستشفى محمد الخامس .
بعد الدخول من البوابة الحديدية الأولى و التوجه الى الباب الرئيسي ، حديقة صغيرة تشد الأنظار بألوان الربيع المبهجة ، و سرعان ما يجول بالخاطر مدى وعيهم بثقافة العلاج فالمساحات الخضراء تعد علاجا فعالا للتوتر ، بعد بضع أمتار توجد البوابة الرئيسة ، بوابة ضخمة توحي بكبر مساحة المستشفى ،لكن سرعان ما استقبلتنا رائحة قوية تنبعث من داخل المستشفى ، رائحة كريهة أصابتني بالغثيان ، فتسائلت هل يا ترى هي رائحة المرض أم رائحة الممرات التي تتكدس فيها جل أشكال الأوساخ و القاذورات، إذ أصبح العفن كطبقة طلاء بالجدران وشكل مع الشقوق لوحة جد معبرة عن الدمار الشامل الذي لحق بالمستشفى ، هكذا قالها الأجداد “ألمزوق من برا أش خبارك من داخل ” .
بعدما دخلنا توجهنا يسارا إلى جناح الولادة أو كما يسمونها جناح الجلادة تيمنا بصرامة الأطر الطبية و الموظفين بهذا الجناح ، حراس يكتمون أصوات آلام مخاض النساء ، متأففين من الضوضاء التي يحدثنها ، و كيف لهم أن يحتجو و هم الأعلم بان قياس آلام المخاض يساوي قياس آلام تحطم 20 ضلعا. أما قسم المستعجلات القسم الأسوأ بالمستشفى حيث التم العشرات وسط ضوضاء و سوء تنظيم الكل مصاب بدءا بالحوادث المنزلية البسيطة ،الام البطن مرورا بالكسور و حوادث السير و لاعتداءات بالسلاح الأبيض.
هكذا يتلهف الكل للدخول صراخ دماء و مشاحنات ، و غياب تام للموظفين . هروبا من هذا القسم توجهنا إلى الطابق الأول و بالضبط إلى جناح الأطفال ، المكان جد مزدحم أمهات تحملن اطفالهن و أخريات تجلسن بالقرب منهم ، بكاء و صراخ و تهميش هكذا قالت إحداهن “أنا هنا من 8 صباحا انتظر وصول الطبيب انتظرت لمدة 4 ساعات ولم يأتي احد لقد رمونا هنا ” لكن مشهد الرجل الذي غرورقت عيناه بالدموع من صياح ابنه الذي يشكو من الام مبرحة ، حيث يقف الأب أمام شكوى طفله عاجزا عن تخفيف الامه و عن طلب النجدة لغياب الكل ، فيجري بين الفينة و الأخرى ليتفقد غرفة الطبيب .
من جناح الأطفال إلى جناح الرجال و النساء الخاص بالكسور ، غرف بدون زجاج هكذا هي الحلول البديلة للمكيفات ، الحل الأمثل لتهوية طبيعية بدافع الاقتصاد لما هو اهم . هكذا يرقد الكل بأسرة مهترئة أسرة اكل عليها الدهر و شرب . و مع اقترابنا من نهاية الممر تزداد قوة الرائحة الكريهة ، لنجد المراحيض ، مراحيض مقززة بلا أبواب و بداخلها براميل بلاستيكية لرمي الأزبال . وليس بعيدا عن المراحيض وجدنا الصحون المستعملة لتوزيع الأكل وهي معلقة على شيء في الممر بعدما غسلت بالمرحاض ، و عند سؤالنا احد العاملين أجاب أنها وضعت هناك حتى تنشق ليتم تقديم الطعام بها ، سوء الصحون هذا لا يختلف عن سوء الأطعمة المقدمة للمرضى، أطعمة تصيب النفس بالغثيان لمجرد النظر إليها.
بنهاية الممر يوجد الجناح الخاص بالعمليات ، حيث يقف عشرات الناس أمام غرفة العمليات و أعينهم مسمرت على بوابتها ، كلما أخرج الممرض مريضا من الغرفة يهتز الكل ، ويجري البعض ليتعرفو ما إذا كان قريبهم . بعد بضع دقائق خرج ممرض ليخبر أخد الحاضرات بان العملية الجراحية التي كانت ستجرى لخالتها قد أجلت للمرة الرابعة كما قالت “شرينا الحديد و خلصنا و درنا كلشي و هاهي رجعوها لمرة الرابعة دابا اللهم هذا منكر ” هذا و علما أن المريضة تحتاج إلى عملية جراحية مستعجلة إذ تعاني من كسر خطير على مستوى الحوض . مشاهد من هنا وهناك بمستشفى تشل أذهان زائريها ، مستشفى شيدت سنة 1993 لتصير منفذ طنجة و نواحيها ، لتصبح مقبرة تدفن فيها أجساد المرضى و عقول و ضمائر موظفيها .