أخبار الجهة

مراد مرتيني راقي لم تغيره المناصب.

يوسف بلحسن

في بداية التسعينيات (لا أذكر التاريخ على وجه التحديد ولا يهمني ضبطه  أصلا، إن هو إلا ربط بنص ) رحلت شعلة من أبناء مرتين للبحث عن نصوص القانون وللنهل من فاس حيث عبق القرويين وحيث ظهر المهراز.

في التسعينيات كانت الجامعة بالعاصمة العلمية بركانا فكريا ينفجر فتخرج حممه لتصل الى البحر ، كانت الايديولوجيا مهيمنة وكانت الابيستيمولوجيا تنزل قهرا على الكل، من غرف النوم الى المطعم الطلابي ،الى “ساحة الوغى” في الجامعة وما أدراك ما ساحة جامعة فاس ، كان اليسار يومها سيد قومه في ظهر المهراز وكانت الغلبة له .

في عشقي للسفر، أذكر أنني ذهبت مرات الى هناك وأذكر مرة ذهبت مع صديق (عشنا سنين الدراسة جسدا واحدا : رضى اشندير) ذهبنا لزيارة مراد وآخرين من أبناء مرتين في جامعة فاس .

أذكر -وأسخر كل مرة ألتقي فيها بمراد – غرفة طلاب، عنوانا لقلة اليد ، وأذكر حيطانا مهترئة ومشققة ،وبعض المتاع، أو لنقل شبه متاع للعيش، وأذكر علما وكوفية لفلسطين وصورا للشيغيفارا ومراجع وكتبا للاشتراكية، ولأقصى اليسار التقدمي…. ،وأذكر روائع مارسيل خليفة وشعارات كبيرة ترسلك مباشرة الى حفر النظام المظلمة المنتشرة يومها عبر الوطن.

مراد بوعنان مد عرفته صاحب مبدأ ورغم أننا يومها كنا نقيضا الفكر والنظرة لفلسلفة الحياة ايديولوجيا ، الا أننا كنا أصدقاء وإخوة في الوقت الذي كان فيه غيرنا يتحارب، فعلا لا مجازا ، حول أحقية كل ايديولوجيا وسموها عن بديلتها ، تلك المرحلة عرفت دماء طلابية وعرفت عقودا من السجن لطلاب من هنا وهناك ،كانت مرحلة” شرسة ” ،ولكنها أفرزت نخبا مثقفة، نخبا تكونت في مدارس الشعب واحتكت بالشعب وناضلت من أجل الشعب والوطن فأصبحت عضوية.

مراد كان شعلة في الدراسة وكان شعلة قي الأخلاق ،أقول بصدق والله علي شهيد لا أذكر انفلاتا أخلاقيا او تصرفيا لمراد ،ولا أذكر إلا أنه وبقدر تكوينه العالي كان راقيا أخلاقيا ، كنت أقول له يومها :”أنت مع ايديولوجيا التحرر ومنظريها يفتحون لكم الأفق عاليا للطيران بدون رقابة ولا وخز ضمير هههههههه فلماذا لا تطير ؟”كان دائما يضحك مني ويقول لي:” أنت تسقط أحكاما خاطئة على ايديولوجية يسارية ليست كما تتصورها ..”

ناضل مراد مع أصدقاءه المعطلين في بداية تخرجه ،   وأنزل ما تعلمه على مدينته مرتين بعد ان تحمل مسؤوليات وظيفية ،شارك مراد في كم اللقاءات والندوات والمهرجانات ، عليه يمكنك أن تعتمد بشكل كلي : سيكتب أرضية النقاش، وسينظم الكراسي وادا تطلب الامر سيقف حارسا في منتصف الليل ، في الردهة امام غرف الفندق حيث ضيوف أجانب غمزوا شبابا من عندنا ،فخاف مراد ان تتوثق العلاقة اكثر ههههه وتصرف كأب لا يسمح بأي انفلات، لا كشاب منظم لمهرحان شبابي .

مراد اصبح اليوم اطار وخبيرا في مهنته ، يشارك في ندوات دولية ويحاضر عبر مؤسسات مشهورة، ورغم ضغط الشغل والمسؤولية الادارية والعائلية ، يصر على تبليغ العلم للجيل القادم من الباحثين ويفرح لذلك، لكنه يتألم كل مرة يلتقيني فيها يقول لي:” .أنا ورغم بعد مركز عملي عن مدينتي مستعد لتقديم ما أعرفه وما تعلمته ومستعد لتنظيم ايام دراسية وورشات تكوينية في هذا المجال ولكن للاسف لا ألقى رغبة من اهل ومسؤولي مدينتي.للأسف”.

مراد ومع السنين ،تطور فكره وتغيرت نظرته للحياة ولفلسفتها مثلنا جميعا ، ولكن لم تغيره المناصب ، هو وجيل من مرتين العزيزة شكلوا بالفعل القيمة المضافة لمدينة أنجبت رجالا ونساء بقيمة النجوم .مدينة كان ممكنا أن تصبح عنوانا للفكر وللقاءات لولا لعنة السياسة .

تلك السياسة التي أفرزت عبر عقود حكاما لمدينتي يؤمنون بالجهل كأحسن وسيلة للاستمرار في ضبط الناس . ورغم ذلك يصر مراد ويقول أنا رهن الاشارة وفي اية لحظة.. مراد مرتيني راقي لم تغيره المناصب لذلك نحبه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى