أخبار وطنية

كيف يصنع القرار السياسي بالمغرب؟

سعيد الوجاني 

  إن التساؤل عن كيفية صنع القرار السياسي في المغرب لا يختلف عن التساؤل عن من يحكمه . واذا كان هذا السؤال وبهذه الكيفية في الطرح ينم عن بلادة ، لان صاحبه يكون غير ملم ومدرك بحقيقة الوضع ، فانه مع ذلك قد يعني نوعا من الكياسة في صياغة الأسئلة الصعبة للأجوبة الشافية ، وهو ما يعني استعمال الحدس للكشف عن المستور المختبئ بين السطور ، او على الأقل الاجتهاد في إمكانية الوصول إليه ، ويبقى المنال من هذا إظهار الحقيقة الجلية للعيان لإبعاد النوايا السيئة وتجنب أطماع بعض الجماعات المتربصة .

 من يحكم ويسير دفة الحكم هو من يمسك حقيقة زمام المبادرة في كيفية صنع القرار السياسي في الدولة ، وهذا يعني ان الطرف القوي هو الذي يختار ويحدد أملاءاته طبقا لمصالحه ، لكن ورغم ذلك لا يمكن الجزم بان الأمور تكون في جميع الحالات بهذه السهولة والبساطة لأولياء الأمر .

لكن السؤال ، هل يحتكر  المسؤول  بمفرده صناعة صنع القرار السياسي في المجالات التي تدخل ضمن اختصاصه ، أي ممارسة السيادة المطلقة ، ام انه يستعين في ذلك بمجموعة من القنوات التي تختلف في الأهمية والقوة وتيسر له مجالات اتخاذ القرار في المجالات ذات الحساسية المفرطة ، وهو ما يصطلح عليه بقوى الظل الفاعلة والمتحكمة عن بعد في توجيه وترويض الحقل السياسي ، ويتكون هؤلاء من بعض المستشارين ، ومدراء وأعضاء الدواوين الملكية ، وبعض الوزراء النافدين مثل وزراء الداخلية ايام إدريس البصري ، ثم في الأخير مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك ، واللجان البرلمانية ، هذا دون نغفل التقارير التي تعدها وترسلها مختلف مصالح الأمن والاستعلامات العامة وأقسام الشؤون الداخلية بالولايات والعملات عن الأوضاع اليومية في مجالات توجهات الرأي العام ، وردود الفعل ازاء جميع الظواهر التي تسترعي باهتمام المواطن ، إضافة الى الإلمام بالوضع الاقتصادي والاجتماعي داخل الدولة ، أي ان الحاكم قبل ان يتخذ قراره السياسي يكون قد اضطلع على مجموعة من الدراسات والأبحاث والتقارير التي ترشده الى اتخاذ القرار الصائب المناسب في معالجة الإشكالية التي يفرضها الوضع .

وبطريقة أخرى نطرح السؤال الآن وبكل شفافية وهو سؤال الساعة بعد تزكية الدستور2011  ، من يحكم في المغرب ؟ أي كيف يصنع القرار السياسي في المغرب ، وما هي اهم المتغيرات التي كانت تتحكم في عملية صنع القرار السياسي ، وما هي القوى المساندة او المعارضة لصناعة القرار السياسي في الحقبتين معا ؟ . 

في عهد الملك محمد السادس عرف تنوعا في قنوات المعلومات التي ترسم الطريق لإصدار القرار السياسي ، وهذا الجديد المتغير جعل العديد من المتتبعين للشأن العام لا يستطيعون معرفة وحصر المؤسسات التي تقوم بدور جلب المعلومة ، نظرا لطبيعة مؤسسة المخزن الجهاز الإيديولوجي للدولة العلوية التي تتسم بالسرية التامة ، ورغم ذلك يمكن ان نحدد بعض قنوات تصريف المعلومة عند التفكير في صناعة القرار السياسي ،  وبشكل طبيعي ومثل والده رحمه الله ،فان الملك يتلقى كل يوم أربعة ملفات أساسية يدور حولها نشاطه اليومي . هناك ملف وزارة الخارجية وهذا يحوي أهم البرقيات الشفرية والتقارير الواردة من سفراء المملكة والأجهزة الأمنية العاملة بالخارج خاصة تقارير الإدارة العامة للدراسات والمستندات .

هناك ملف وزارة الداخلية وهو تقرير يعكس حالة الأمن العام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المملكة مع البدائل المقترحة لمواجهة الحالات الطارئة . هناك ملف ثالث يتوصل به شخصيا من الاستخبارات العسكرية والمدنية ، وهذا يضم نشاطها في الأمن الداخلي والأمن الخارجي للمملكة ، وأعمال مكافحة الجاسوسية وعادة ما يضاف الى هذا الملف ملف خاص بالوضع الخاص في الصحراء وملحقا حول الموقف على حدود الدولة وتحركات القوات المعادية وغير ذلك من المعلومات ذات الطابع العسكري . اما الملف الرابع فيأتي من وزارة المالية والاقتصاد ويحوي أرقاما عن الأحوال المالية والاقتصادية بما فيها حالة الاحتياط من العملة الصعبة ، هذا دون ان ننسى التقرير اليومي الذي يضم كل المعلومات المتاحة عن أوضاع الاستهلاك والأسعار والمخزون السلعي من كل الاحتياجات الأساسية . ان هذا الملف قد تعالجه وزارة الداخلية كما قد تعالجه وزارة المالية في تقريريهما اليومي … وإضافة الى هذا هناك ملفات أخرى ترد الى القصر تتناول أحوال الإنتاج الزراعي والصناعي والتخطيط لرسم تصورات لخطى اية مرحلة مقبلة ، الى جانب ان مجموعة من الوزارات التي يتصل عملها بنشاط وفود ذاهبة من المغرب ووفود قادمة اليه ، تبعث الى الديوان الملكي بما لديها من تقديرات ومعلومات خصوصا اذا كان على الملك ان يشترك شخصيا فيما تجريه من مفاوضات .واضح إذن ان هناك عدة قنوات تقوم بتوصيل المعلومات الى صانع القرار السياسي أي الملك ، وهنا لا يجب ان ننسى أجهزة الاستخبارات الأجنبية من عربية أروبية وأمريكية .
هناك ملاحظة مهمة يجب الإشارة إليها وهي ان الدولة ومؤسساتها أضحت اليوم في عهد الملك الجديد أكثر قوة وصلابة مما كان عليه الحال في عهد الملك الراحل ، وذلك لان العاهل المغربي محمد السادس وجد فراغا في الساحة ملئه بمفرده في غياب أحزاب المعارضة القديمة التي تقلص دورها وتشتت الى فرق صغيرة وشيع وأضحت جزءا من الدولة وليس ضدها . فباستثناء جماعة العدل والإحسان وبعض الأحزاب والجماعات اليسارية الصغيرة مثل حزب النهج الديمقراطي واليسار الجذري ، فان جميع الأحزاب ذابت في مشروع الدولة رغم اختلاف درجات الذوبان من حزب الى آخر ، وهذا ما تدل عليه نتائج الاستفتاء على الدستور التي وصلت درجة لم تكن متوقعة .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى