ثقافة

لماذا يتعرض الروهينغا بميانمار دون غيرهم للمجازر؟!

صباح طنجة 

مع اندلاع أزمة عام 2012 في ميانمار وما تعرض له المسلمون الروهنغيا هناك من عمليات قتل وحرق وتطهير عِرقي وتهجير تولد في أذهان الكثير من المتابعين أسئلة تدور رحاها تارة حول سبب غياب هذه القضية عن العالم الإسلامي وظهورها فجأة في ذاك العام، وتارة أخرى حول سبب تعرض الروهنغيا دون غيرهم لهذا الاضطهاد في ميانمار، ومع مرور الأيام أخذ هذا السؤال الثاني يحظى باهتمام أكبر ويستحوذ على فضول الناس بحثاً عن جواب مقنع أو أسباب منطقية.

بداية دعونا نقطع الشك باليقين ونتفق على حقائق لا يمكن إنكارها، الحقيقة الأولى أن هؤلاء الناس لم يسقطوا من السماء أو تم حشدهم مثل اليهود في فلسطين من كل أصقاع الأرض، وهذه حقيقة تذعن بها الأغلبية البوذية نفسها؛ إذ إن أقصى تهمة توجهها هي أن هؤلاء بنغاليون ويقصدون أنهم من شعوب البنغال والهند وليسوا من الأعراق البوذية الموجودة في جنوب شرق آسيا، وهذه في الحقيقة ليست تهمة ، لأن أراكان تعتبر جغرافياً امتداداً للأراضي الهندية، والمسلمين الروهنغيا ليسوا من عرقية واحدة؛ بل هم خليط من عدة عرقيات مختلفة حسبما أثبتت الدراسات والبحوث،

وهنا مسألة: وهي أن التمدد السكاني والانتشار البشري يتم بطريقة اعتيادية ما لم يوقف هذا التمدد قهر سلطاني أو حاجز جغرافي وتجد الناس ينتشرون حيثما اتسعت لهم الأرض؛ أما القهر السلطاني فلم تشهد المنطقة قهراً من هذا النوع، وأما الحاجز الجغرافي، فإن بين ما بات يعرف الآن بولاية أراكان في ميانمار وباقي أجزاء ميانمار سلسلة جبال ممتدة من جبال الهيمالايا، وهي جبال شاهقة وطبيعة وعرة، ثم أضف إلى ذلك أن المنطقة غنية بالماء والخضرة والزرع فلا توجد دوافع كثيرة للتنقل، ومنطقياً فإن الأصل في التمدد أن يكون في الأراضي المنبسطة حتى تمنع الناس حواجز طبيعية جغرافية، وهذا هو ما حصل من الجانب الهندي وأرض البنغال منذ مئات السنين.

الحقيقة الثانية أن وجود المسلمين في المنطقة ليس وليد اليوم، فالكتب التاريخية تذكر أن الإسلام وصل في القرن الثامن أيام حكم الدولة العباسية وآثار إسلامية تعود للقرن الثامن عشر الميلادي، وتوجد مساجد كثيرة منقوشة عليها تاريخ بنائها، منها جامع “بَدَرُ المقَام” على الشاطئ الصخري في جنوب مدينة أكياب عاصمة ولاية أراكان.

وحتى نفهم خريطة الصراع في ميانمار لا بد أن نتعرف على ثلاثة أقطاب تعتبر دوائر تأثير صنع القرار في ميانمار هي:
1- الجيش.

2- الرهبان البوذيون.

3- أونغ سان سوتشي.

يحاول كل قطب من هذه الأقطاب الإبقاء على صاحبه من أجل مصالحه؛ فالجيش من خلال دعمه للرهبان البوذيين يحافظ على مكتسباته السياسية والاقتصادية، ويبقيهم أيضاً مشغولين بإدارة خلافاتهم مع الجانب المسلم، وهو ما كان الجيش يسعى إليه عبر تغذية الخوف من الإسلام والمسلمين.

أما الرهبان البوذيون فإنهم وبطبيعة خلفيتهم الدينية، فإن ما يشغل تفكيرهم هو الحفاظ على ديانتهم، وأيضاً الإبقاء على وهج الخطاب الديني المتطرف ضد المسلمين، وهذا لا يتحقق إلا بالدعم الذي يجدونه من الجيش من أجل أن يترك لهم مساحة أكبر للنفوذ في المشهد الوطني العام.

القطب الثالث هو سوتشي التي لا تريد أن تخسر أي قطب من القطبين حتى تحافظ على استقرار حكومتها الوليدة، وضمان مضيها نحو الأمام بحفاظها على علاقة الجيش، حتى تضمن عدم انقلابه عليها مرة أخرى مثلما حصل في 1990 وتحافظ أيضاً على علاقتها مع الرهبان، حتى لا تخسر الدعم الشعبي الذي تراهن عليه كثيراً في بقائها على السلطة.

في الحقيقة أنا لا ألقي باللوم على سوتشي مباشرة، فالسياسة مثلما يقولون فن تحقيق الممكن، وهي بكل بساطة ليس في يدها حل هذه القضية الشائكة، وهي أضعف من أن تتحكم بملفات البلاد كلها، فالجيش ما زال يتحكم بثلاث وزارات صلبة في الدولة هي: الداخلية، وحرس الحدود، والدفاع، إضافة إلى احتفاظه بنسبة 25 في المائة من مقاعد البرلمان حتى بعد تنحيه عن السلطة وتأثيره الشديد على وزارة الإعلام والمخابرات.

 الجيش ظل طوال فترة حكمه من الستينات الميلادية من القرن الماضي يؤجج الصراعات في ولاية أراكان للإبقاء على العنصرين الأهمين في الولاية مشغولين عن خططه في عقد صفقات تجارية مع الصين والهند وكوريا الجنوبية في استخراج النفط والغاز الطبيعي واستثمار الثروات الطبيعي.

هذا الصراع ما هو إلا ورقة مساومة كان يلعب بها أمام العالم وأمام شعبه للبقاء على كرسي الرئاسة أطول فترة ممكنة ونهب ثروات البلاد.

بالنسبة لسوتشي، فإن وصولها للسلطة بعد فك الحظر عنها هدف أساسي لا يوازيه أي هدف، لا سيما أنها حرمت من الحكم بعد انتخابات 1990 حينما انقلب عليها وعطل العمل بالدستور.

اليوم وصلت سوتشي للسلطة، لكنها ورثت دولة أو قل أجزاء دولة، يكاد خطاب الكراهية فيها يغطي مساحات شاسعة، لا سيما في ولاية أراكان، وملفات شائكة تنتظر الحل، وفي الرأس منها قضية الروهنغيا التي لو افترضنا جدلاً أنها تستحوذ على اهتمام سوتشي، فإنها لن تكون سوى هدف ثانوي يمكن التضحية به في سبيل تحقيق هدفها الاستراتيجي: وصولها للسلطة والبقاء فيها.

وقد ظهرت مهددات فقدان السلطة منذ انتخابات 2014، عندما شعر الرهبان البوذيون بأن سوتشي من الممكن أن تولي قضية المسلمين الروهنغيا اهتماماً فقاموا بمظاهرات واحتجاجات بدعم من الجيش أسقطت خلالها سوتشي الأعضاء المسلمين من حزبها، ومع ازدياد ضغط العالم عليها بخصوص هذه القضية نحرت المسلمين على أعتاب ديمقراطيتها، وتجاهلتهم وأنكرت حقوقهم، وتناست مبادئها التي كانت تنادي بها.

وفي نهاية الأمر فإن هناك أيضاً دوافع مركبة تحرك السياسيين وقادة الدول، ولا شيء يجعل سوتشي تضحي من أجل أناس ليسوا من ديانتها ولا من عِرقيتها وتخوض كل هذه المصاعب من أجلهم.

ولا يمكن في الحقيقة قراءة أي حدث في العالم بمعزل عن المناخ العام المصاحب لهذا الحدث، وأيضاً العوامل الأخرى المحيطة به وبتوقيته ومكانه وأجوائه، وبالرجوع إلى تاريخ القضية فإن بدء اضطهاد الروهنغيا كان في عام 1784م، حينما احتل ملك بورما حينها “بودابايا” مملكة أركان وأضافها إلى بورما، وكانت هذه الفترة متزامنة مع ضمور القوة الإسلامية في الدولة العثمانية وتوقف نفوذها وانحسارها؛ حيث ازداد وضع الدولة العثمانية سوءاً من أوائل القرن الثامن عشر.

في الفترة ذاتها كان الحكم الإسلامي أيضاً في الهند قد وصل إلى مراحله الأخيرة، وساعدت هذه الأوضاع على أن يزحف الإنكليز بقوتهم نحو الهند؛ ليستولوا عليها تحت ستار شركة الهند الشرقية، وانتهى الحال بأن دخل الإنكليز “دلهي” في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي.

من هذا كله يتبين أن المزاج العام في العالم كان متوافقاً مع استضعاف المسلمين مع تقهقر القوة الإسلامية وتقلص جغرافيتها، وفي لحظة كان المسلمون يعيدون تموضعهم في العالم، وأراكان كانت آخر تكتل إسلامي من الشرق، وهذا كان يقلق الأغلبية البوذية، ومن المنطقي جداً بالنسبة لهم أن يقضوا على هذا الوجود بكل السبل.

 المصدر : هافينغتون بوست عربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى