امتلأت سماء شفشاون برنين جميل انتشر في الأفق الرحب ، ففرض علي الانصياع والقيام للخروج على عادتي …
اليوم لم تكن لي نية النهوض من فراشي الدافئ في منزل الضيافة الشفشاني (فنادق جميلة وسط أزقة مدينة مولاي علي الشريف بلمسة جبلية وبكل وسائل الراحة) بعدما أحسست بكسل وبعض صداع الرأس، ربما بسبب خرجة البارحة مع أخي الصديق عبد الرحمان نحو جبال باب تازة العالية لملاسمة بياض الثلج ومعه برودته، ذاك الرنين الجميل وذاك الطنين القادم بالخير كطنين صاحبات العسل ، افتقدته لسنين طويلة كان يشكل جزءا من تراثنا ومن تقافتنا ، كان عنوان انتمائنا وكنا نتلذذ”بنغطته”و كانت الجدات يرددنه وراء “منشده” .
لم يكن المنشدون سوى أئمة المساجد ولم يكن الطنين سوى تهليل المؤذنين فوق صوامع المدينة كمقدمات قبل دخول الآذان لصلاة الفجر.. بالخصوص .
لم يكن فردا ولكن يبدو ان مآذن الشاون كلها تفننت في التهليل ،كانت النغمة الجميلة تصل أعمال الأذن لفنية لتمر مباشرة الى “تلك المدغة”ولتجعلك ترمي تعب البارحة جانبا ومعه دفء الفراش ثم تدلس عبر أزقة (مر منها رجال مجاهدون في زمن غابر ) بللتها سماء الليل ولتلج الى المسجد الاكبر بوطاء الحمام (بني سنة 950ه) قرأ الامام جزء من سورة الفرقان وكانت لقراءته وقعا على النفس ولتجويده اثرا، ولجمال اللحظة جلست للاستماع لوتر الفجر وقد غبت عنه طويلا (وسنة قرءاة القرءان جماعة في بلدي المغرب روعة لا مثيل لها ).
هذا جزء مما يربطني بهذه المدينة ذاك الرابط القوي بين أصولنا وعقيدتنا وتلك الدفعة نحو اقتصاد سياحي منلتح عالمي وجميل، و مند فترة ثارت ضحة حول ارتفاع صوت الاذان في مراكش !!!!! وقيل يومها ان “هذا الصراخ”يقلق السياح .
وفي “مرتيني” نلاحظ ان صوت الاذان قد خفض.(ربما هو احساسي انا فقط لا ادري؟) أما في الشاون وفي عمق المدينة التاريخية الصغيرة وعبر تلك الأزقة الضيقة حيث “يعشش” بسلام سياح العالم من كل الديانات ،فتمتلأ سماء الله آذانا ولقرب الناس من ربهم يضيفون تهليلا قبل الاذان يمتد لفترة غير قصيرة .
استغربت والله، وطربت والله ،والله طربت، والله طربت…… .
وأعتقد أنه حتى الذي بأذنه وقرا سيطرب لأن نغمة الجمال والحس الفني لا تخفى على الدواب فكيف بالبشر ، استغربت لأن بعضنا يحاول أن ينسلخ من أصوله وتقاليده ليركب سفينة” الافرنج” في المظاهر وهو عن عقل وتطور وحضارة وعلوم “الافرنج “غائب .يلتصق بقشور الحرية ويرفض لبها العميق ، يدافع على الاستيلاب الفكري حتى في لباسه ويحارب بالكلمة حق صديقته في لباسها الاصيل.
أحب شفشاون ولو وجدت لاتخدت هنا مسكنا صغيرا أهرب إليه كل فترة.
أهرب لاقرأ فعندي عشرات المراجع التي لم أجد مكانا لقراءتها وأهرب لجولات مشي في جبال وعرة واهرب للقاء عبد الرحمان وآخرين كثر هنا وأهرب لجلسات مسائية في “الوطاء”وأخرى عل ضفة مجرى راس الماء حيث الخرير له رنة …..
والله تشفي النفوس العليلة.
وأهرب لأمتع أذني كل فجر بتهليل صارخ وآذان يسمع بقوة وبترديد متشعب ومتنوع ولا اخاف من مستلب يقول يوما ما : أوقفوا الاذان فإنه يؤدي راحتنا واتركوا “الديسكو ” فإنه يطرب أجسادنا.