بنكيران يصارع “العفاريت” الراغبين بالسطو على نتائج صناديق الإنتخابات
صباح طنجة
أمام النهايات غير السعيدة، بل والمأساوية لإرادة الشعوب المنتفضة لنيل كرامتها ، في كل من مصر وسوريا واليمن وليبيا.. وتراجع التجربة التونسية، لم يبق أمامنا حقا إلا التجربة المغربية التي لم تنته فصولها بعد، ولا نخفي أننا مازلنا نضع أيدينا على قلوبنا مما “يدبر” لهذه التجربة المتميزة من “انقلاب ناعم” على نار هادئة..!، و إذا فشلت “محاولات الانقلاب” الجارية حاليا -كما هو مأمول- فستعرف التجربة المغربية نهاية سعيدة لامحالة، وإن كانت الأخرى فستكون فعلا “نكسة” غير مسبوقة تنال من “سمعة” مملكتنا الشريفة..
و مر شهور على تكليف الملك محمد السادس للسيد عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة الجديدة، ومازال هذا الاخير يصارع “العفاريت” والمحاولات الحثيثة للانقلاب على ما أفرزته الصناديق الزجاجية، و”سرقة” النصر من “المصباح” في وضح النهار، ضدا على الإرادة الشعبية واحترام “المنهجية الديمقراطية”، وهو سعي مفضوح لتوجيه “عقاب جماعي” لكل من آمن حقا بـ”اللعبة” الديمقراطية التي بوأت الإسلاميين المشاركين فيها الصف الأول، وهي محاولة مكشوفة لتلقيح المواطنين المصوتين بـ”جرعة إحباط” جديدة ومركزة، جزاء لما اقترفت أيديهم عبر الصناديق الزجاجية، وتذكيرا لهم بأن في المملكة “لاعبون كبار” ومن لم يتمتع بالرضى منهم، فلا أقل من وضع “العصا” في عجلات تقدمه نحو “الإصلاح” المنشود، و لسان حالهم أن النتيجة النهائية لا بد أن تكون في صالحهم، وإن طردت الصناديق الشفافة حزبهم المفضل، والمعركة مازالت مستمرة..!!
سر نجاح النموذج المغربي
أعتقد أن سر نجاح التجربة المغربية لحد كتابة هذه السطور يكمن في أمرين اثنين: ذكاء شعب، وغباء “ملأ”، وإن شئت فأضف أمرا ثالثا وهو دهاء ملك..
1- ذكاء شعب:
ما يفسر بالملموس أن الشعب المغربي كان دوما أذكى من “المدبرين” لانتخابات “مخدومة”، أنه أفرز “عينة” منه للمشاركة واكتفى بالمراقبة! فنجد “العينة” المشاركة في “اللعبة” تفعل ذلك بذكاء منقطع النظير، أما الجزء الأكبر فيراقب بصمت مدو! إنه يرسل الشعب العبقري الذي لا يحب أن يهب عن بكرة أبيه إلى “لعبة” ليست نظيفة ونزيهة بما فيه الكفاية ليقبل عليها بكثافة، لذلك فهو يكتفي بالمراقبة مع “تفويض” للاعبين أذكياء يناورون هم أيضا بدهاء، إذ تجد من يساهم في حملات “تجار” الانتخابات ويأخذ المقابل كـ “مناضل” من أكثر من حزب وفي آخر اليوم يذهب ليصوت على من يراه “الاصلح”! وما دام منسوب “الثقة” شبه منعدم في القائمين على الانتخابات منذ الراحل ادريس البصري “وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني” إلى الوزير الحالي، فإن هذه “اللعبة” الموسمية تحتاج إلى “تطوير” لتستقطب “جماهير” أكثر!
2- غباء “الملأ“
منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني توصل كبار “الدولة العميقة” في المغرب إلى قناعة مفادها أنهم قد تحكموا في عمليات الاقتراع إلى الأبد، وأن النتائج هي دوما تحت السيطرة.. ثم تسلم الجيل الجديد من “المتحكمين” المشعل وساروا على نفس الدرب ، إلا أنهم لغبائهم لم يستحضروا ، أن ما كان ينجح مع الجيل السابق لم يعد مجديا بالمرة مع الجيل الجديد، فقد وضعوا كل ما استطاعوا من الحواجز المانعة من “الاكتساح”، وأضافوا “لمساتهم الجديدة”: بدءا بتخفيض العتبة الانتخابية، مرورا بحملات تبخيس إنجازات الحكومة “الملتحية”، إضافة إلى نشر الفضائح الأخلاقية للمقربين منها، وصولا إلى تنظيم مسيرة “مجهولة” لقيطة “ضد الأخونة”!! فكانت بحق “فضيحة بجلاجل” تظهر بجلاء مستوى ذكاء “مبدعيها” المنتمين للأصالة والمعاصرة والمدعومين من “الدولة العميقة”…
وما يؤكد غباء هذه “الفئة المتنفذة” أن حزب العدالة والتنمية تجاوز كل الموانع بنجاح، واقترب أكثر من خط “الاكتساح”..، ولكنهم لم يستسلموا بعد، إذ يلعب “المتحكمون” حاليا آخر أوراقهم المتمثلة في “البلوكاج”، وإعاقة عملية تشكيل الحكومة من الحزب الفائز، وذلك بتنفيذ خطة مفضوحة تهدف إلى منع الاحزاب “المتحكم فيها” من التحالف مع الحزب الفائز، مما يضطر هذا الأخير إلى الاستسلام وإعلان “فشله” وتسليم المفاتيح مجددا لملك البلاد ويعود لبيته وهو يجر أذيال الخيبة، ليفسح المجال حينها للحزب المدلل ليفعل ذلك بين ليلة وضحاها! وكل الوقت الضائع الان -عن سبق إصرار وترصد- يعني أن الأمل مازال يراود من لم يبوئهم الشعب المرتبة الأولى في “سرقة” مكشوفة لنصر غير مستحق، ولن يكون ذلك واقعا إلا بمباركة واضحة من ملك البلاد، وما علينا إلا الانتظار..
3- دهاء ملك
لا شك أن السيد عبد الإله بنكيران مدين للملك محمد السادس بوصوله إلى ما وصل إليه حاليا، فذات يوم في شهر ماي 2003 حُمل حزب رئيس الحكومة المسؤولية المعنوية عن الأحداث الإرهابية التي هزت أكبر مدينة في المملكة المغربية، وحينها طالب “البعض” بحل الحزب، إلا أن الملك استبعد “القرار”، وأبقى على رأس بنكيران وحزبه وحركته، فحفظ هذا الأخير الجميل، وأصبح يعبر عن “حبه” للملك ولو من طرف واحد! ، و بعد الانتخابات التي تلت الربيع العربي مباشرة وبوأت حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، ساور الرأي العام الشك في تكليف الملك للسيد بنكيران بتشكيل الحكومة أو سيختار شخصية أخرى من الحزب، إلا أن رئيس الدولة أبى إلا أن يختار السيد بنكيران ليزيد من جرعة حبه لملكه وتعبيره عن ذلك..
والثالثة أن ملك البلاد أخذ مسافة من الجميع، فكما لم يشفع لبنكيران “حبه” للملك ليمنع عنه “الضربات تحت الحزام”، لم يشفع للعماري -صديق صديق الملك- “قربه” ليمنع عنه “قذائف” بنكيران الموجعة! كما أن “جيشا” من “القوات المساندة” يضم أعوان السلطة المحلية، أخذ حريته كاملة، واستفاد أيضا من “المسافة” بدون أي حرج أو خط أحمر اللهم إلا تحذيره من “التزوير” المفضوح! فشتان بين ملك شاب يصغي جيدا لنبض شعبه، ويتدخل في الوقت المناسب بما يناسب، ومن يدافع فقط عن مصالحه وامتيازاته و”قربه”.. لذلك تتصف قراراتهم المتهورة بالغباء، فتجده معرضا عنها “لفشلها”، وآخرها محاولة تشكيل أغلبية بعيدا عن الحزب الفائز في الانتخابات وتنصيب قائد “الانقلاب”.
وبكلمة: إن ملكنا يجلس على عرش له تاريخ عريق، وهو وحده دون غيره من يحرص بحق على حمايته واستمراره وتوريثه لولي العهد بسلاسة وسلام، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يشعر به أي “موظف سام” أو “مستشار مقرب”، فمن يدافع ويحرص على عرش عريق يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ليس كمن يدافع عن منصبه ومصلحته وامتيازاته.، لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن “يغامر” الملك بالمشاركة في “خطة حمقاء” يقترحها المقربون فقط لأنهم لا يحبون المصباح! ويرغبون في إبعاده بشتى السبل الممكنة وغير الممكنة، لهذا سيبقى الغباء ملتصقا بالمتحكمين لأنهم عادة ما يتمتعون بقصر النظر ولأنهم بدون تاريخ، وتبقى الحكمة والدهاء وبعد النظر من لوازم الحكم السديد، وكل عام ومملكتنا الشريفة بخير والله يخرج الحكومة على خير.
المصدر: مدونة الجزيرة نت